الخميس، 25 يونيو 2015

ثم حُبِّب إليه الخلاء

كنتُ قد طرحتُ هذا الاستفتاء في تويتر:

هل تؤيد/ تنوي ترك برامج التواصل في شهر رمضان المبارك ؟

- نعم  "تدوير"
- لا   "مفضلة"

+ تفضّل بذكر السبب أيًا كان اختيارك.       

وكانت النتيجة : ثُلثي المصوِّتين أجابوا بـ نعم
والثُلث الباقي أجاب بـ لا

وهذا تعقيبٌ يسيرٌ عليه- ما كتبتُه إلا لحُبّي ونُصحي :

في الحديث الذي اتفق عليه الشيخان عن عائشة -رضي الله عنهاج- قالت: "أول ما بُدئ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الوحي: الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى شيئًا إلا جاء مثل فلق الصبح، ثم حُبِّب إليه الخلاء، فكان يخلو بغار حراء يتحنّث فيه – أي يتعبَّد فيه- الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزوّد لذلك ..."
قال (النووي) في شرحه على صحيح مسلم: الخلاء: هو الخَلوَة وهي شأن الصالحين وعباد الله العارفين.

هل دار ببالك تساؤل: لماذا الخلاء ؟
لماذا كان الرسول ﷺ يَختلِي في الغار يتعبّد؟
كان بإمكانه أن يتعبّد في بيته أو في البيتِ الحرام!

ولعلّ  ما قاله (أبو سليمان الخطابي) في تعليقه على الحديث يمحُو هذا التساؤل؛ حيث يقول:
"حُبِّبَت العُزلة إليه -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنَّ معها فراغ القلب وهي مُعينة على التفكُّر وبها يَنقطع عن مألوفات البشر ويتخشَّع قلبه".

يا صِحاب: أقلبٌ مُعتكِفٌ اخْتَلى برِبِّه خيرٌ أم قلوبٌ منشغلة أمضت جُلَّ وقتها في فضولِ النَّظر والخبر؟

تعال تفكَّر معي لحظةً:
ما حالُ قلبك بعد أن طُفتَ بهِ حول شَتَّى المواقع وسعيتَ به بين البرامج:  من خبرٍ لآخر؛ صورةٌ تفجَعُك وأخرى تُضحِكك وثالثةٌ تعجبك ...
ومن رسالةٍ لمقطع ومحادثة تَجُرُّ أختها
ثم إذا فرغت من هذا كلّه وقمتَ لتصلِّي تراويحك!
كيف هوَ قلبك الذي سيقرأ ويناجي ربَّه؟

لا مَحالة أنه سيتخلّلهُ ذِكرى تلك الصورة، وطيف ذلكَ الطفل الذي بالمقطع، والتفكير بمَ ترُدُّ على رسالة فلان، وماذا تُغرِّد الليلة!

أيستوي هوَ ومَن أفرَغ قلبهُ من كل هذه الشواغِل، وغواشي الفِكر، وجاء ربَّه بقلبٍ خالٍ لا يشغلُه سوى محبَّتِه والإقبالِ عليه والشوق للقائه ومناجاته؟

هل يستويان مثلًا ؟

دعني أتقمَّص جوابَك:
دقائق قبل الفطر لن تَضُر ودقائقٌ بعده وأخرى قبل التراويح ومثلها بعده وساعة قبل السَّحر وأيضًا بعده ثم نظرة قبل النوم وتفَقُّدٌ لما اسْتَجَدَّ بعد الاستيقاظ !

ماذا بقي من نفائس وقتك ؟
ما الوقتُ إلا ساعات، وما الساعاتُ إلا دقائق تمضي وأنت منهمك في قراءة هذه ومشاهدة تلك والرد على ذاك!
وتصرَّم رمضانك الذي بِتَّ ترقُبُه وأنت رهينٌ مِحبس جهازك .

بعض من شارك في الاستفتاء يقول في سبب عدم نيِّته ترك جهازه: لعلي أفيد وأستفيد.
-وأقول له: مضت ثمانية أشهر ألم تُفِد وتستفِد خلالها؟ ثمّ دونكَ بِضع ليالٍ قبل رمضان؛ اكتب ما شئت واقرأ ما شئت.
والبعض الآخر يقول: أقرأ ما يشجعني على العبادة.
-ببساطة: أنت لستَ بحاجةٍ إلى تشجيع؛ كل ما في الكون في رمضان يدفعك ويؤزُّكَ للعبادة رغمًا عنك: الدافع الإيماني العجيب الذي بداخلك، صوت إمام مسجدكم، الشياطين المُصّفدة، أبواب الجنّة المفتوحة، عتقاء الله في كل ليلة، جميعها تدفعك دونَ أن تدري!

جرِّب: أنت وَقلبُك والله ثالِثكُما، وحدكما في جُنحِ الليالي، تقرَّب إليه باعا، اركض إليه بأقصى حُبِّك ، لعل الشهر لا ينقضي إلا وقد كُتبت من أولياء الله، مِن القليل الآخرين المقرَّبين الذين قال الله -عزَّ وجل- فيهم :
﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ ﴾

لعلّك تقول لي:
قرأت كثيرًا هذا اليوم وبقي وقت، لا بأس بالترفيه قليلاً ؟

أخي في الله: إنِّي لأحبِّك فيه فاسمعني:
طيلةَ أيامك وأنتَ عاكفٌ على جهازك، في مَعمَعةٍ مع الناس، وأخبارهم ومقاطعهم ورسائلهم! ألا تتوقف هذا الشهر فقط؟
تجعلهُ خالصًا لربِّك  ؟

اخرُج بنفسك مِن وعثاءِ هذه الأجهزة وَكثرةِ غشيانِ الناس واعْرج بقلبك إلى السَّماء.

يكفي هذا الفتور والهُزال في علاقتك مع الله!

اقرأ أخرى وثالثة ورابعة، تدبّر، اقرأ تفسير ما تقرأه.
عِش مع القرآن! تنفّس كلام الله
وهل خُلقتَ إلا لعبادته ؟
وهل خُلقتَ إلا لعبادته ؟
أتستكثر على نفسك أجورًا مَزيدة .

أترضيك هذه الركعات السريعات وقراءة القرآن العجلى ثم تؤوب إلى جهازك ؟

ماذا تراكَ تجني منه؟

وإنَّ الموتى -رحمهم الله- أقصى آمالهم ساعة يتزّودون فيها، تلك التي تُهدِرها بلا مبالاة! وأيُّ ساعة؟ ساعات رمضان!

لا تكن عاديًا، أرِ الله من نفسك جهادًا في الوصول إليه ونَيْلِ المراتب القريبة منه .
﴿ هُم دَرَجاتٌ عِندَ الله ﴾
ألا تدفعك هذهِ الآية لسؤالٍ عظيم يهيجُ له قلبُ المؤمن اضطرابًا ورجاءً:
"ما أنا عند الله" ، "ما درجتي عنده" ؟

اجعل رمضانك هذا مختلفًا، عبادُ الله في مشارقِ الأرض ومغاربها يحثُّون السَّير، يتسابقون ؛
قوَّامًا، خُشّعًا، قانتين، تسيلُ مدامعهم، لزموا القرآن والذِّكر .
سابقهم، لا تدعهم يسبقونك إلى الله .

لعلّ الأمر يكون صعبًا عليك في البداية؛ لكن
اصبر نفسك مع ربِّك، وَلا تَعدُ عيناكَ إلى شيءٍ من هذهِ البرامج تريد زينتها.

وإنّما هي لحظات فقط، ثُم تجِد لذَّة تركها، وأقولها عن تجربة .

يكفيكَ أنَّ الله يطَّلِع عليك فيجِدُك تركتها من أجلِ التقرُّب إليه وزيادة نصيبك من طاعته،
لأجلِ أنها تلهيك عن التَّزلُّفِ إليه .
ماذا تراه حينها يجازيك ؟
واللهِ إنَّ القلب لَيمُوجُ ارتجافًا من هذهِ وحدها.

فستذكرونَ ما أقولُ لكم عندَ مواضع ثلاث:
- عندما تتذوّق لذّة تركها، وجمال الخلوة بالله وحده.
- عند نهاية الشَّهر وقد أحسنتَ في شهرك، وبذلت جهدا في عمل صالح تقدمه لنفسك.
- ثم كأنِّي بك وقد دخلتَ جنَّتك، قلتَ: الحمدُ للهِ الذي هدانا لهذا، الذي وفّقنا للتقرُّب منه.

هذا وأستغفر الله من الزلَل، إن كان من صواب فمن الله وإن كان من خطأ فمن نفسي، وسلامُ الله عليكم ورحمته وبركاته.

على الهامش:
مقال قيِّم للدكتور عمر المقبل | لئن أدركت رمضان ليَرينَّ اللهُ ما أصنع !!

http://www.saaid.net/mktarat/ramadan/101.htm
منقول

الثلاثاء، 23 يونيو 2015

حوار مع شاب متردد في الصيام

📝💬📝💬

حوار مع شاب متردد في الصيام

✏بقلم: جاسم المطوع

💬 قالت:
سألني ابني البالغ من العمر 15 سنة لماذا نصوم رمضان❓
💬 فقلت له:
نصوم حتى نرحم الفقراء ونشعر بحاجتهم للطعام،
💬فأجاب: ولكن صيامنا أكثر من 15 ساعة باليوم ونستطيع أن نشعر بألمهم للجوع بصيام خمس ساعات بهذا الجو الحار، كما أنني أنا أرحم الفقراء وأتصدق عليهم فلا أحتاج للصيام حتى أشعر بشعورهم.
💬 تقول الأم:
فلم أعرف كيف أرد على ابني وماذا أقول له وأقنعه بالصيام.

💬 ثم أكملت وقالت له:
يا ابني إن الصيام رياضة للجسد.
💬 فرد علي قائلاً:
يا ماما ولكني أنا ألعب الرياضة وأحب السباحة كل أسبوع فلا أحتاج للصيام مرة بالسنة حتى أمارس هذه الرياضة.
💬فقالت له: ولكن في الصيام صحة لأن المعدة تحتاج أن ترتاح شهرا واحداً بالسنة، 💬فرد علي ابني:
ولكن الرجيم والطعام الصحي الموجود والمنتشر اليوم في كل مكان يحقق لنا نفس هذا الهدف،
💬تقول الأم فاحترت ماذا أقول له، فهذا كل ما أعرفه وتعلمته وأنا صغيرة عن هدف الصيام، وكان آخر شيء قلته له إن الصيام يعلمك الصبر،
💬فرد علي بأن كثيراً من الرياضات تعلم الصبر مثل صيد السمك وتعلم الفنون القتالية وغيرهما.

📢 فقلت لها:
ولكن الهدف الأساسي من الصيام لم تجيبي عليه،
💬قالت: وما هو❓
📢قلت: (لعلكم تتقون)،
💬 قالت: لم أفهم ما تقول،
📢 قلت: إن هدف كل العبادات «تقوى الله» ومن ملك التقوى ملك قوة الإرادة، والصيام يعلم الإنسان قوة الإرادة حتى يصبح حرا، لأن الحر لا يستطيع أحد أن يغلبه أو يسيطر عليه، كما أن الحر لا تقهره عاطفة ولا تأسره شهوة فهو سيد نفسه.

💬قالت: وماذا تقصد بالإرادة❓
📢 قلت: الإرادة تعني أن الإنسان إذا أراد أمرا معينا يقرر اختياره ويصر على تنفيذه حتى ينجح، ومن يملك قوة الإرادة يملك مجاهدة النفس وقوة الصبر، ولهذا فإن شهر رمضان تتغير فيه عادات الإنسان في الطعام والشراب والنوم وكل أعماله اليومية، فيعيش الصائم في صراع شديد مع نفسه بسبب تغير عاداته ونظام حياته، فإذا نجح الصائم في مقاومة هذا الصراع فستزداد ثقته بنفسه وبقدراته ويستطيع وقتها تغيير أي عادة سلبية لديه، لأنه نجح في تغيير نظام حياته لمدة 30 يوما، أفلا ينجح إذا قرر أن يقهر عادة أو يغلب شهوة؟ 👈 فالصيام هو تدريب للنفس على الأخلاق الراقية والهمة العالية.

💬 قالت: إن كلامك هذا مهم جدا ياليتني تحدثت مع ابني بهذه الطريقة،
📢قلت: إن كلامي يفسر لك قول الله تعالى(يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)
فهذا هو الهدف الأساسي للصيام، وإن ما ذكرته لابنك صحيح ولكن التقوى هي الأساس✔
👈 لأنها تقوي إرادة الإنسان فيصبر على الطاعات ويتجنب المنكرات فيكون قريبا من الله بعيداً عن الشيطان.

ولهذا قال علماء السلوك:
إن هناك ثلاث علامات لتقوية إرادة الإنسان وهي:
1⃣ أولا: أن يكون لديه هدف واضح يسعى إلى تحقيقه،
2⃣ وثانياً أن يكون قادراً على العمل تحت الضغوط،
3⃣ثالثاً أن إرادته تقوى وتتحسن مع الوقت.
👌وكل هذه العلامات موجودة بشهر رمضان، فالصيام والقيام والزكاة كلها أهداف يسعى المسلم إلى تحقيقها في رمضان، وكذلك رمضان هو شهر تزاحم الأعمال الاجتماعية والخيرية والإيمانية مما يشكل ضغطا على الإنسان، وفي رمضان يشعر المسلم يوماً بعد يوم بزيادة قوة إرادته وثقته بنفسه وبقدراته.

ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بأن يقوي الله إرادته ليستقيم في العمل الصالح بمصطلح «العزيمة» ومصطلح «الرشد» فيقول (اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد)،
💬قالت: شكراً لك سأذهب فورا للحديث مع ابني،
📢فقلت لها: بل أنت شكراً لك لأنني سأكتب مقالا بحوارنا هذا ليستفيد القراء من تجربتك مع ابنك.
د. جاسم المطوع

🌠🌙🌠🌙
تنسيق مجموعة وبالأسحار هم يستغفرون